الأرشيف الشهري: سبتمبر 2016

المحرومون

​هؤلاء الذين حرموا الذكر بما تتزلت عليهم الشياطين قد حرموا أنفسهم الانصات الى دوي الملائك الجميل حول العرش الكريم، تؤزهم شياطينهم أزنا على الذاكرين لعلهم يضلوهم عن  ذكرهم فيصبحوا لهم غاوين، فيا ليت شعري أشياطين الأنس أغوى أم شياطين الجن المنذرين.

و الأبلسة لما تيقنت من أستحالة المساس بالمقربين الذاكرين توسلت بشياطين الأنس وسيلة و طريقا لفتنتهم عن أنسهم و محاولة أخراجهم من جنتهم على الارض حتى لا تصبح جنة أرضهم دار خلود ينبسط بساطها حتى في الحياة الأخرى فكأنهم دخلوا الفردوس الأعلى  قبل أن يدخلها الاخرين في اليوم الاخر بعد الحساب العظيم ، فهم دخلوا جنتهم قبل أن يدخلها بني الأنس أجمعين .

المراد و آلم الشوق 

​لضغوط الحياة و عصابها اليومي كسرة في القلب لا يجبرها الا الله سبحانه، فلعله ابتلاك ليقربك إليه و كل ما هو دون القرب إليه يهون، فلذة القرب تتهاوى معها كل لذات الحياة. 

فلا شيء يعظمها أو يكبرها.

و لعله أعطاك مرادك من شيء تشتهيه فلما حصلت عليه سقط في يدك و زهدت فيه مع أنك كنت ترغب فيه و تتلوى من آلم الشوق أليه فلما حصلت عليه ذهب عنك ما كنت ترجوه و تشتهيه و أذا ما كنت تشتهيه عند حضوره بين عينك و قلبك مجتمع عليه وهم و سراب، أعطاك أياه لكي تعلم أنه لا فرار منه و أن قلبك لا يمكن ملؤه الا بحب ربك و كل ما دونه وهم و سراب شهوة و جنوح نزوة و جموح عقل، فكل الشهوات حين حضورها سهوات لا تستفيق الا و هي أمامك مجرد خيال لذة الذي يتحدث عنه الناس و أنت لست واعي آين مكمن اللذة و الأنس و السعادة فيه، عندها أعلم أنه يخاطبك بأنه قد أستخلصك لنفسه، فأذا أنتبهت للمراد و الإشارة سعدت و كملت و تحصلت على سعادة الدارين و جنة في الأرض و جنة في السماء.

بوابة الزمان الأرضية 

​كنا لا شيء و لا أقول عدم فالعدم غير معدوم ثم كان الأمر كاف و نون فوجدنا في عالم مزهر جميل لا تسمع فيه إلا تسابيح الملائك الكرام و الملأ الأعلى في عالم الذر في كون أخر بديع جميل كله منظوم و لا ينطق فيه الا بنظم منطق الطير، هو أقرب الى الإيقاع و السجع المحكوم أن جاز التعبير بمنطق رياضي بديع بليغ و قصير و عميق المعنى فأشهدنا على أنفسنا ثم متنا أو بمعنى أصح سافرنا عبر الأزمان كل حسب زمان خروجه لهذه الدنيا و حسب المقادير و ما كتب و سمع من صريف الأقلام في اللوح المحفوظ، فمنا من قصر زمان سفره و من ثم ظهوره فكان في الأولين و منا من طال زمان سفره و خروجه فكان في الأخرين و كله مقدر و مكتوب.

و بوابة الزمن الذي ينزل منها المرء هي رحم أمه، حيث هي مكان خروجك لعالم الدنيا و أنتقالك من كون لأخر و من طور لطور ثاني و من حياة الى حياة مختلفة، و قد شرفت أرحام النساء حيث أراد الله أن تكون هي حلقة وصلنا بعالم الذر المزهر الجميل بالدنيا فأشتق الله له أسمها من أسمه الرحمن فكان الرحم و جمعه أرحام فكان هو رمز الرحمة على الأرض ، و هذا الرحم هو أقرب مكان في الأرض لعالم الذر حيث يتكون الأنسان في صورته الأرضية و يكون اخر ما يسمعه قبل نزوله منه تسابيح و صلوات الملائك الكرام لذلك عندما ينزل الأنسان من هذه البوابة الزمنية يفزع أيما فزع و يستوحش عالم الدنيا و يبكي أفتقادا لما كان يسمعه في العالم الاخر الذي أتى منه!

ثم نحيا و نحيا و نعرك الحياة و تعركنا فهي صبا و شباب و كهولة و شيخوخة ثم بوابة الزمن الأخرى و هي الموت الذي يأخذنا الى عالم أخر محكوم بطورين، كل منهما يطهرنا مما اجترأناه في عالم الدنيا فأما نار عذابها كعذابات المرأة الحامل السعيدة به أنتظار لمجيء ولدها و أما جنة فقراؤها في عذاب من شوق عدم رؤية وجه الله الجميل ، ثم تدور رحى الحيوات على الأرض و في السماوات و تدور الدورات و نحن في عالم الجنة أو النار فبقاء الجنة و النار مرهون ببقاء الأرض و السماوات حتى اذا زالتا رجعنا الى من أتيانا منه و إنا لله و إنا إليه راجعون

الورد و القلوب 

​بيني و بين الورود علاقة ما، أحبها و أحب من يحبها، لطالما سحرتني و خلبت لبي، فيها كل معاني الجمال و الرقة، عند رؤيتها يسكن لها فؤادي و يجتمع على جمالها شتات قلبي.

فهو لا يراها الا صورة حية مادية لكينونته الاعتبارية فالقلب الذي أعنيه أكبر من القلب الذي يعنيه الأطباء في مراجعهم الجامدة المتجمدة الجرداء ! فهو عند القوم مجرد فقط و فقط مجرد مضخة دماء !!! 

القلب الذي يرى و يفهم ما لا تفهمه العقول و يستقبل ما ترفض أستقباله العقول هو رقيق  و جميل فإن ذهب عن قلبك هاتين الصفتين فهو كوردة ميتة و ان كانتا متأصلتين فيه فهو كوردة جميلة رقيقة، ترق لكل من لامسها و تبرز جميلة في عين كل من يراها ! 

لكل حق حقيقة كما هو معلوم و لكل فكرة من عالم الغيب صورة مادية تشرحها في عالم الشهادة و الفكر و النظر.

نحن حين نحب النساء و نهيم فيهن عشقا نهديهن الورود فهى رمز لقلوبنا، و لكن أيضا نضعها على قبور موتانا، كأننا نقول لموتانا لقد ذهبتم و ذهبت قلوبنا معكم !!! 

الرموز ثم الرموز.

في الأديان القديمة كان يرمز للقلب برموز عديدة منها كأس كالكأس المقدسة و أحيانا كوعاء و أحيانا أخرى كورود متفتحة و هذا ما يعنينا هنا، فالقلب قديما كان لهم مفهوم عظيم و راقي و مقدس و لم يكن أبدا هذه الصورة الضيقة  للمضخة البائسة التى يتصورها أطباء و إنسان أخر الزمان، أبن دورة الحديد، و ليس غريب أن من يمجد الحديد لا يرى قلبنا إلا مضخة من حديد !

و السلام على أهل الورود