عند بلوغ الثلاثينات تجد أغلب الأصدقاء و المعارف قد سحبوا الى قاع دوامة الحياة و منهم من سافر للكسب أو للدراسة فلا هم قريبون للسمر أو الأنس، و أصبح ندماء الماضي هم أشباح الحاضر لا تسمع لهم إلا همسا في هاتف أو خيال رسالة عبر أثير التقنيات الحديثة، لقد نسوا أنفسهم و أصبحوا عبيد حرفيا لأسرهم و شكائين من زوجاتهم التى يحيطون بهم إحاطة مقبض الجلاد بمعصم المجلود و أطفال لا تكف عن البكاء مع حالة من الترقب و الخوف عليهم من المجهول و الناس من الخوف من الزلل أو المصائب في ذل.
فتصبح تراهم في ترقب و تتوجس خيفة من هذا الآمر و انت في خلوتك هذه في راحة من هم الدنيا و عذابها و تدرك أن من كان يبحث و يحاول أن يبحث عن السعادة في زوجة يبني بها أو طفل يستولده من صاحبة قد بنى بالهم و أصبح و قد أستولد فتنة له و عدو لا يرحمه فهو خرج من صلبه كشوك أستخرج من بين صوف! فهو غال و قريب من قلب الرجل فلا هو يستطيع أن يهمل وجوده و لا هو قادر على عدم تلبية حاجاته اللا نهائية التى توحي بها صرخاته و تسعى بها أمه الى كل حواسك كجريان آبليس في دماء الأنسي المسكين.
فلا أدرك الرجل السعاد من مضاجعة النساء و لا الراحة من هبوط الأطفال عليه بسبب شهوة أشتهاها في لحظة كان فيها مغيب عن الوعي لا يفكر الا في هذا الكائن البشري اللطيف الرقيق الذي يتفجر أنوثة من تحته و يريد أن يلتهمه ألتهما.
هذا و أنت ترى شبح أباك في شبابه عندما كنت أنت في صباك و ترى صورته تتمثل لك في المرآة كلما نظرت الى نفسك … تهمس في أذنك انت في منتصف عمرك بين شباب في ذروة مجده و أقترب آفول نجمه و كهولة بدء يظهر خيالها في شعيرات بيضاء تلمع بين شعر جسدك الأسود كنجوم لامعة في ظلام دامس فلا تخطئها عين الغريب أو القريب و تنذر أنك في منتصف الطريق و أن ذروة شبابك و درة عمرك على المحك فما كان في الماضي أختياري أصبح أجباري و أصبح ما لم ينجز بالأمس يجب أن ينجز اليوم لا غدا، تعددت الأختيارات بالامس و الجبر اليوم واحد.
أما أن كنت من السعداء ممن لم يتزوجوا فلازال الوقت لديك لكي تحقق أمالك التى لم تحققها في العشرينات و الفرصة مواتية لتحقيق ما كنت تصبو إليه في العشرينات مع عدم قدرتك عليه فالأن أنت مستقل أستقلال تام و لست مكبل بآصار الأسرة أو حاجات زوجتك أو صرخات طفلك، فأهتبل هذه الفرصة التى يحلم بها كثيرون ممن حولنا ممن تم سحقه حرفيا في دوامة الحياة و طواحينها.
أما الشيء اللافت فعلا في هذه السن عندما تكون في أوج شبابك و الحكمة قد عرفت الى قلبك سبيل أنك تشاهد غيرك و تستعجب من كونهم قد أستنفزوا جل طاقتهم و رهنوها بأسرة يكرسون أغلب طاقتهم و عمرهم لها بدون معرفة سبب منطقي لهذا الفعل مع أعترافهم أنهم على هذه الفعلة نادمين!
أن اعظم ميزة في الثلاثينات و انت بدون زوجة هي قدرتك الكبيرة على التأمل و التفكير بعمق و هذا لسبب منطقي هو أنك غير مشغول البال صافي الذهن محرر من كل القيود.
أن الزواج في هذا الزمن فعلا أصبح فتنة و ليس أستقرار أو راحة بال كما كان يقول أجدادنا و هو لا يكمل نصف الدين بل ينسف النصف الأول نسفا فلا يبقى له أثر.